فصل: السنة الثانية من ولاية هلال بن بدر على مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الثانية من ولاية هلال بن بدر على مصر

وهي سنة عشر وثلاثمائة‏:‏ فيها قبض الخليفة المقتدر على أم موسى القهرمانة وصادر أخاها ومواشيها وأهلها وسبب ذلك أنها زوجت بنت أخيها أبي بكر أحمد بن العباس من أبي العباس محمد بن إسحاق بن المتوكل على الله وكان من سادة بني العباس يترشح للخلافة فتمكن أعداؤها من السعي عليها وكانت قد أسرفت بالمال في جهازها وبلغ المقتدر أنها تعمل له على الخلافة فكاشفتها السيدة أم المقتدر وقالت‏:‏ قد دبرت على ولدي وصاهرت أبن المتوكل حتى تقعديه في الخلافة فسلمتها إلى ثمل القهرمانة ومعها أخوها وأختها وكانت ثمل مشهورة بالشر وقساوة القلب فبسطت عليهم العذاب واستخرجت منهم الأموال والجوهر يقال‏:‏ إنه حصل من جهتهم ما مقداره ألف ألف دينار‏.‏

وفيها توفي بدر بن عبد الله الحمامي الكبير أبو النجم المعتضدي كان أؤلا مع ابن طولون فولاه الأعمال الجليلة ثم جهزه خمارويه إلى الشام لقتال القرمطي فواقعه وقتله ثم ولي من قبل الخلفاء أصبهان وغيرها إلى أن مات على مدينة فارس وكان أميرًا دينًا شجاعًا وجوادًا محبًا للعلماء والفقراء وقيل‏:‏ إنه كان مستجاب الدعوة ولما مات ولى المقتدر مكانه أبنه محمدًا‏.‏

وفيها توفي محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب أبو جعفر الطبري العالم المشهور صاحب التاريخ وغيره مولده في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين أو أول سنة خمس وعشرين ومائتين وهو أحد أئمة العلم يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه وكان متفننا في علوم كثيرة وكان واحد عصره وكانت وفاته في شوال بخراسان وأصله من مدينة طبرستان قال أبو بكر الخطيب جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره فكان حافظا لكتاب الله بصيرًا بالمعاني فقيها في أحكام القرآن عالما بالسنن وطرقها صحيحها وسقيمها ومنسوخها عارفا بأقوال الصحابة والتابعيبن بصيرًا بأيام الناس وأخبارهم له الكتاب المشهور في تاريخ الأمم أو الملوك وكتاب التفسير وكتاب تهذيب الآثار لكن لم يتمه وله في الأصول والفروع كتب كثيرة انتهى‏.‏

وفيها توفي أحمد بن يحيى بن زهير أبو جعفر التستري الحافظ الزاهد ‏,‏ سمع الكثير وحدث وروى عنه خلق كثير قال الحافظ أبو عبد الله بن منده ما رأيت في الدنيا أحفظ من أبي زرعة الرازي الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن حنبل الأصبهاني وأبو شيبة داود بن إبراهيم وعلي بن عباس المقانعي البجلي ومحمد بن أحمد بن حماد أبو بشر الدولابي في ذي القعدة وأبو جعفر محمد بن جرير الطبري في شوال وله أربع وثمانون سنة وأبو عمران موسى بن جرير الرقي والوليد بن أبان أبو العباس الأصبهاني أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وإحدى وعشرون إصبعًا مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وتسع أصابع‏.‏

ولاية أحمد بن كيغلغ الأولى على مصر هو أحمد بن كيغلغ الأمير أبوالعباس ولاه المقتدر إمرة مصر بعد عزل هلال بن بدر عنها في شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وثلاثمائة فلما وليها قدم أبنه العباس خليفته على مصر فدخلها العباس المذكور في مستهل جمادى الأولى من سنة إحدى عشرة وثلاثمائة فأقر ابن منجور على الشرطة ثم قدم أحمد بن كيغلغ إلى مصر ومعه محمد بن الحسين بن عبد الوهاب الماذرائي على الخراج ولما دخلا إلى مصر أحضرا الجند و وضعا العطاء لهم وأسقطا كثيرًا من الرجالة وكان ذلك بمنية الأصبغ فثار الرجالة ففر أحمد بن كيغلغ منهم إلى فاقوس وهرب الماذرائي ودخل المدينة لثمان خلون من شوال وأما الأمير أحمد بن كيغلغ هذا فإنه أقام بفاقوس إلى أن صرف عن إمرة مصر بتكين في ثالث ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة فكانت ولايته على مصر نحوا من سبعة أشهرة وتولى تكين مصر عوضه وهي ولايته الرابعة على مصر وشق ذلك على الخليفة غير أنه أطاع الجند وأرضاهم واستمالهم مخافة من عساكر المهدي الفاطمي فإن عساكره تداول تحكمهم إلى نحو الديار المصرية في كل قليل وصار أمير مصر في حصر من أجل ذلك وهو محتاج إلى الجند وغيرهم لأجل القتال والدفع عن الديار المصرية‏.‏

قلت ويأتي بقتة ترجمة أحمد بن كيغلغ هذا في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى‏.‏

السنة التي حكم في غالبها الأمير أحمد بن كيغلغ على مصر وهي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة‏:‏ فيها صرف أبو عبيد بن حربويه عن قضاء مصر وتأسف الناس عليه وفرح هو بالعزل وانشرح له وولي قضاء مصر بعده أبو يحيى عبد الله بن إبراهيم بن مكرم‏.‏

وفي هذه السنة ظهر شاكر الزاهد صاحب حسين الحلاج وكان من أهل بغداد قال السلمي في تاريخ الصوفية شاكر خادم الحلاج كان متهما مثل الحلاج ثم حكى عنه حكايات إلى أن قتل وضربت رقبته بباب الطاق‏.‏

وفيها صرف المقتدر حامد بن العباس عن الوزارة وعلي بن عيسى عن الديوان وكانت ولايتهما أربع سنين وعشرة أشهر وأربعة عشر يوما واستوزر المقتدر أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات الثالثة في يوم الخميس لسبع بقين من شهر ربيع الآخرة وهذه ولاية ابن الفرات الثالثة للوزارة‏.‏

وفيها نكب الوزير أبو الحسن بن الفرات المذكور أبا علي بن مقلة كاتب حامد بن العباس وضيق عليه وابن مقلة هذا هو صاحب الخط المنسوب إليه يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في محله‏.‏

وفيها دخل أبو طاهر سليمان بن الحسن آلجنابي القرمطي إلى البصرة ووضع السيف في أهلها وأحرق البلد والجامع ومسجد طلحة وهرب الناس وألقوا بأنفسهم في الماء فغرق معظمهم‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج الإمام الفاضل مصنف كتاب معاني القرآن و الاشتقاق والقوافي والعروض فعلت وأفعلت ومختصرا في النحو وغير ذلك‏.‏

وفيها توفي الوزير الأمير حامد بن العباس كان أولا على نظر فارس وأضيف إليها البصرة ثم الأمره إلى أن طلب وولي الوزارة للمقتدر وكان كثير الأموال والحشم بحيث إنه كان له أربعمائة مملوك يحملون السلاح وفيهم جماعة أمراء كان جواد ممدحا كريما غير أنه كان فيه شراسة خلق وكان ينتصب في بيته كل يوم عدة موائد ويطعم كل من حضر إلى بيته حتى العامة والغلمان فيكون في بعض الأيام أربعون مائدة‏.‏

ورأى يوما في دهليزه قشر باقلاء فأحضر وكيله وقال له‏:‏ ويحك يؤكل في داري باقلاء هذا فعل البوابين فقال أو ليست لهم جراية لحم قال بلى أفقال‏:‏ سلهم عن السبب فسألهم فقالوا‏:‏ لا نتهنأ بأكل اللحم دون عيالنا فنحن نبعثه إليهم ونجوع بالغداة فنأكل الباقلاء فأمر أن يجرى عليهم لحم لعيالهم وقيل‏:‏ إنه ركب قبل الوزارة بواسط إلى بستان له فرأى شيخا يولول وحوله نساء وصبيان يبكون فسأل حامد عن خبرهم فقيل له احترق منزله وقماشه فافتقرة فرق له حامد وطلب وكيله وقال له‏:‏ أريد منك أن تضمن لي ألا أرجع عشية من النزهة إلا وداره كما كانت مجصصة وبها المتاع والقماش والنحاس كما كانت وتبتاع له ولعياله كسوة الشتاء والصيف مثل ما كانوا فأسرع في طلب الصناع وبادروا في العمل وصب الدراهم وأضعف الأجر حتى فرغوا من الجميع بعد العصر ‏,‏ فلما رد حامد وقت العتمة شاهدها مفروغًا منها بالاتها وأمتعتها الجدد وآزدحم الناس يتفرجون وضجوا لحامد بالدعاء ونال التاجر من المال وفيها توفي محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة ين صالح بن بكر السلمي النيسابوري الحافظ أبو بكر ولد في صفر سنة ثلاث وعشرين ومائتين قال الدار قطني كان ابن خزيمة إماما ثبتا معدموم النظير توفي ثاني ذي القعدة‏.‏

وفيها توفي محمد بن زكريا أبو بكر الرازي الطبيب العلامة في علم الأوائل وصاحب المصنفات المشهورة مات ببغداد وقد انتهت إليه الرياسة في فنون من العلوم وكان في صباه مغنيا يضرب بالعود قيل إنه لما ترك الضرب بالعود والغناء قيل له في ذلك ة فقال كل غناء يطلع بين شارب ولحية لايستحسن‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أحمد بن محمد بن هارون أبو بكر الخلال الحنبلي وإبراهيم بن السري أبو إسحاق الزجاج في جمادى الآخرة وحفاد بن شاكر النسفي وعبد الله بن إسحاق المدائني وأبو حفص عمر بن محمد بن بجير السمرقندي وأبو بكر بن إسحاق بن خزيمة السلمي في ذي القعدة ومحمد بن زكريا الرازي الطبيب‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وإحدى وعشرون إصبعا مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

على مصر قد تقدم ذكره في ولايته على مصر وأنه صرف عن إمرة مصر في النوبة الثالثة بهلال بن بدر ثم ولي بعد هلال بن بدر الأمير ابن كيغلغ فلما وقع لابن كيغلغ ما وقع من خروج جند مصر عليه واضطربت أحوال الديار المصرية وبلغ الخليفة المقتدر ذلك صرف أبن كيغلغ وأعاد تكين هذا على إمرة مصر رابع مرة ووصل رسول تكين هذا إلى مصر بإمرته يوم الخميس لثلاث خلون من ذي القعدة سنة إحدى عشره وثلاثمائة وخلفه ابن منجور على الصلاة إلى أن قدم مصر في يوم عاشوراء من سنة آثنتي عشرة وثلاثمائة فأقر ابن منجور على الشرطة ثم عزله وولى قراتكين ثم عزل قراتكين وولى وصيفا الكاتب ثم عزله أيضًا وولى بجكم الأعور كل ذلك من اضطراب المصرين حتى مهد أمور الديار المصرية وتمكن أسقط كثيرا من الجند وكانوا أهل شر ونهب ويفاق ثم نادى ببراءة الذمة ممن أقام منهم بالديار المصرية بعد ذلك فخرج الجميع على حمية وأجمعوا على قتله فتهيأ تكين أيضًا لقتالهم وجمع العساكر وصلى الجمعة بدار الإمارة بالعسكر وترك حضور الجماعة خوفًا من وقوع فتنة ولم يصل قبله أحد من الأمراء بدار الإمارة الجمعة وأنكر عليه أبو الحسن علي بن محمد الدينوري ذلك وأشياء أخر وبلغ تكين ذلك فأمر بإخراج الدينوري من مصر إلى القدس فخرج منها ولم يقع له مع الجند ماراموا من القتال وأخذ في تمهيد مصر إلى أن حسن حالها وتمكنت قدمه فيها ورسخت حتى ورد عليه الخبر بموت الخليفة المقتدر في شوال سنة عشرين وثلاثمائة وبويع بالخلافة من بعده أخوه القاهر بالله محمد فأقر القاهر تكين هذا على عمله بمصر وأرسل إليه بالخلع ودام تكين على ذلك حتى مرض ومات بها في يوم السبت لست عشرة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة وحمل في تابوت إلى بيت المقدس فدفن به وتولى مصر بعده محمد بن طغج وكانت ولاية تكين هذه المرة على مصر تسع سنين وشهرين وخمسة أيام وكان تكين المذكور يعرف بتكين الخاصة وبالخزري وكان أميرا عاقلا شجاعا عارفا مدبرا ولي الأعمال الجليلة وطالت أيامه في السعادة وكان عنده سياسة ودربة بالأمور ومعرفة بالحروب رضي الله عنه‏.‏

السنة الأولى من ولاية تكين الرابعة على مصر وهي سنة اثنتي عشرة وئلاثمائة‏:‏ فيها حج بالناس الحسن بن عبد العزيز الهاشمي‏.‏

وفيها عارض أبو طاهر بن أبي سعيد الجنابي القرمطي الحافي وهو في ألف فارس وألف راجل وكان من جملة الحجاج أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان وأحمد بن بدر عم السيدة أم المقتدر وشقيق خادمها وجماعة من الأعيان فأسر القرمطي الجميع وأخذ جميع أموال الحاج وسار بهم إلى هجر ثم بعد أشهر أطلق القرمطي أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان المذكور‏.‏

وفيها أرسل القرمطي المقدم ذكره يطلب من المقتدر البصرة والأهواز وذكر ابن حمدان أن القرمطي قتل من الحاج من الرجال ألفين ومائتين ومن النساء ثلاثمائة وبقي عنده بهجر ألفان ومائتا رجل وخمسمائة امرأة‏.‏

وفيها فتحت فرغانة على يد أمير خراسان‏.‏

وفيها أطلق أبو نصر وأبو عبد الله ولد أبي الحسن بن الفرات وخلع عليهما وقد وزر أبوهما أبن الفرات ثالث مرة وملك من المال ما يزيد على عشرة آلاف ألف دينار وأودع المال عند وجوه بغداد وكان جبارا فاتكأ وفيه كرم وسياسة ومات في هذه السنة‏.‏

وفيها توفيت فاطمة بنت عبد الرحمن بن أبي صالح الشيخة ثم محمد الصوفية كانت من الصالحات المتعبدات طال عمرها حتى جاوزت الثمانين ولقيت جماعة كثيرة من مشايخ القوم وكان لها أحوال وكرامات‏.‏

وفيها توفي محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الحافظ أبو بكر الواسطي المعروف بابن الباغندي سمع علي بن المديني ومحمد بن عبد الله بن نمير وشيبان بن فروخ وغيرهم بمصر والشام والعراق وعني بشأن الحديث أتم عناية وروى عنه دعلج ومحمد بن المظفر وعمر بن شاهين وأبو بكر بن المقرىء وخلق كثير قال أبو بكر الابهري وغيره سمعنا أبا بكر الباغندي يقول أجبت في ثلاثمائة ألف مسألة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال الدار قطني كان كثير التدليس يحدث بما لم يسمع ومات في ذي الحجة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو الحسن علي بن محمد بن موسى بن الفرات الوزير وأبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي وأبو بكر محمد بن هارون بن المجدر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا‏.‏

السنة الثانية من ولاية تكين الرابعة على مصر وهي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة‏:‏ فيها سار الحاج من بغداد ومعهم جعفر بن ورقاء في ألف فارس فلقيهم القرمطي فناوشهم بالحرب فرجع الناس إلى بغداد ونزل القرمطي على الكوفة فقاتلوه فغلبهم ودخل البلد ونهب ما لا يحصى فندب المقتدر مؤنس الخادم لحرب القرمطي وجهزه بألف ألف دينار‏.‏

وفيها عزل المقتدر أبا القاسم الخاقاني الوزير عن الوزارة فكانت وزارته سنة و ستة أشهر وأستوزر أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب فسلم إليه الخاقاني فصادره وكتابه وأخذ أموالهم‏.‏

وفيها كان الرطب كثيرًا ببغداد حتى أبيع كل ثمانية أرطال بحبه‏.‏

وفيها قدم مصر علي بن عيسى الوزير بن مكة ليكشفها وخرج بعد ثلاثة أشهر للرملة‏.‏

وفيها عزل عن قضاء مصر عبد الله بن إبراهيم بن محمد لم بن مكرم بهارون ابن إبراهيم بن حماد القاضي من قبل المقتدر‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد الحميد بن عبد الله بن سليمان بن سليمان أبو الحسن الغضائري نزيل حلب كان صالحا زاهدا حج أربعين حجة على أقدامه قال طرقت باب السري السقطي فسمعته يقول‏:‏ اللهم آشغل من شغلني عنك بك قال فنالني بركة هذه الدعوة فحججت على قدمي من حلب إلى مكة أربعين سنة ذاهبًا وآئبًا‏.‏

وفيها توفي علي بن محمد بن بشار الشيخ أبو الحسن الزاهد العابد البغدادي صاحب الكرامات كان من الأبدال كان يتكلم ويعظ الناس وكان لكلامه تأثير في القلوب وكانت وفاته ببغداد ودفن غربيها وقبره هناك يقصد للزيارة‏.‏

وفيها توفي محمد بن إسحاق بن إبراهيم الثقفي مولاهم النيسابوري الحافظ أبو العباس السراج محدث خراسان ومسندها قال أبو إسحاق المزكي سمعته يقول‏:‏ ختمت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثنتي عشرة ألف ختمة وضحيت عنه اثنتي عشرة ألف ضحية قال محمد بن أحمد الدقاق رأيت السراج يضحي في كل أسبوع أو أسبوعين أضحية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصيح بأصحاب الحديث فيأكلون وقال الحاكم سمعت أبي يقول لما ورد الزعفراني وأظهر خلق القرآن سمعت السراج غير مرة إذا مر بالسوق يقول العنوا الزعفراني فيصيح الناس بلعنه حتى ضيق عليه نيسابور وخرج إلى بخاري وكانت وفاة السراج في شهر ربيع الآخر وله سبع وتسعون سنة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي أبو العباس أحمد بن محمد الماسرجسي وعبد الله بن زيدان بن يزيد البجلي وعلي بن عبد الحميد الغضائري وأبو لبيد محمد بن إدريس الشامي السرخسي ومحمد بن إسحاق أبو العباس السراج في أشهر ربيع الأخر وله سبع وتسعون أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وثلاث أصابع مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وخمس أصابع السنة الثالثة من ولاية تكين الرابعة على مصر وهي سنة أربع عشرة وثلاثمائة‏:‏ فيها جمدت دجلة بالموصل وعبرت عليها الدواب وهذا لم يعهد مثله وسقطت ثلوج كثيرة ببغداد‏.‏

وفيها نزح أهل مكة عنها خوفا من القرمطي ولم يحج الركب العراقي في هذين العامين‏.‏

وفيها دخلت الروم ملطية بالسيف فقتلوا وسبوا وبقوا فيها أيامًا‏.‏

وفيها رد حجاج خراسان خوفا من القرمطي‏.‏

وفيها قبض المقتدر على الوزير ابن الخصيب لاشتغاله باللهو وآختلال الدولة فأحضر الوزير علي بن عيسى فأعيد إلى الوزارة‏.‏

وفيها في شهر رمضان هبت ريح عظيمة فقلعت شجر نصيبين وهدمت دورها‏.‏

وفيها توفي الحسين بن أحمد بن رستم أبو علي الكاتب ويعرف بأبي زنبور الماذرائي كان من كبار آل طولون وكان من الفضلاء أحضره المقتدر لمناظرة ابن الفرات ثم قلده خراج مصر ثم سخط عليه وأحضره إلى بغداد وأخذ خطه بثلاثة آلاف ألف دينار وستمائة ألف دينار ثم أخرج إلى مصر مع مؤنس الخادم فمات بدمشق كان فاضلًا كاتبًا حدث عن أبي حفص العطار وغيره وحدث عنه الدار قطني‏.‏

وفيها توفي نصر بن القاسم بن نصر بن زيد الشيخ الإمام أبو الليث الحنفي كان عالما فقيها دينا إماما في الفرائض جليلا نبيلا ثقة ثبتا حدث عن القواريري وغيره وروى عنه ابن شاهين وجماعة وله مصنفات كثيرة‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر القرشي المنكدري ومحمد بن محمد بن عبد الله النفاح الباهلي ومحمد بن يحيى بن عمر بن لبابة القرطبي وأبو الليث نصر بن القاسم الفرائضي‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وإصبع واحدة مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وخمس أصابع وهي سنة خمس عشرة وثلاثمائة‏:‏ فيها ظهرت الديلم على الري والجبال وأؤل من غلب منهم لنك بن النعمان فقتل من أهل الجبال مقتلة عظيمة وذبح الأطفال في المهد ثم غلب على قز وين أسفار بن شيرويه وألزم أهلها مالا وكان له قائد يسمى مرداويج بن زيار فوثب على أسفار المذكور وقتله وملك البلاد مكانه وأساء السيرة بأصبهان وجلس على سرير من ذهب وقال‏:‏ أنا سليمان بن داود وهؤلاء الشياطين أعواني وكان مع هذا سيىء السيرة ‏"‏ في أصحابه فدخل الحمام يوما فدخل عليه أصحابه الأتراك فقتلوه ونهبوا خزائنه ومشى الديلم بأجمعهم حفاة تحت تابوته أربعة فراسخ وفيها جاء أبو طاهر القرمطي في ألف فارس وخمسة آلاف راجل فجهز المقتدر لحربه يوسف بن أبي الساج في عشرين ألف فارس وراجل فلما رآه يوسف أحتقره ثم تقاتلا فكان بينهم مقتلة عظيمة لم يقع في هذه السنين مثلها أسر فيها يوسف بن أبي الساج جريحا وقتل فيها جماعة كثيرة من أصحابه وبلغ المقتدر فانزعج وعزم على النقلة إلى شرقي بغداد وخرج مؤنس بالعساكر إلى الأنبار في أربعين ألفا وأنضم إليه أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان وأخوته أبو الوليد وأبو العلاء وأبو السرايا في أصحابهم وأعوانهم وتقدم نصر الحاجب فأشار أبو الهيجاء على مؤنس بقطع القنطرة فتثاقل مؤنس عن قطعها فقال له أبو الهيجاء أيها الأستاذ اقطعها وأقطع لحيتي معها فقطعها صبحهم القرمطي في ثاني عشر في القعدة فأقام بإزائهم يومين ثم سار القرمطي نحو الأنبار في يتجاسر أحد أن يتبعه ولولا قطع القنطرة لكان القرمطي عبر عليها وهزم عسكر الخليفة وملك بغداد فانظر إلى هذا الخذلان فإن القرمطي كان في دون الألف ومؤنس الخادم وحده في أربعين ألفا سوى من أنضم إليه من بني حمدان وغيرهم من الملوك مع شدة بأس مؤنس في الحروب فما شاء الله كان ووقع في هذه السنة من القرمطي بالأقاليم من البلاء والقتل والسبي والنهب ما لا مزيد عليه قلت وكيف لا وهو الذي انزعج منه الخليفة بنفسه وانكسرت عساكره منه وذهب من بغداد ولم يتبعه أحد فحينئذ خلاله الجو وأخذ كل ما أراد مما لم يدفع كل واحد عن نفسه‏.‏

وفيها تشغبت الجند على الخليفة المقتدر ووقع أمور‏.‏

وفيها في صفر قدم علي بن عيسى الوزير على المقتدر فزاد المقتدر في أكرمه وبعث إليه بالخلع وبعشرين ألف دينار وركب من الغد في الدس ثم أنشد‏:‏ ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها فكيفما انقلبت يومًا به آنقلبوا يعظمون أخا الدنيا فإن وثبت يومًا عليه بمال أيشتهي وثبوا وفيها توفي الحسين بن عبد الله أبو عبد الله الجوهري ويعرف بابن الجصاص التاجر الجوهري صاحب الأموال والجوهر كان تاجرا يبيع الجوهر وقد تقدم أن المقتدر صادره وأخذ منه ستة آلاف ألف دينار غير المتاع والدواب والغلمان ومع هذا المال كان فيه سلامة باطن يحكى عنه منها أمور من ذلك‏:‏ أنه دخل يوما على الوزير ابن الفرات فقال أيها الوزير عندنا كلاب ما تدعنا ننام قال‏:‏ لعلهم جربى قال لا والله إلا كلب كلب مثلي ومثلك ونزل مرة مع الوزير الخاقاني في المركب وبيده بطيخة كافور فأراد أن يبصق في دجلة ويعطي الوزير البطيخة فبصق في وجه الوزير وألقى البطيخة في دجلة فارتاع الوزير وقال له ويحك ما هذا ثم أخذ يعتذر للوزير فيقول أردت أن أبصق في وجهك وألقي البطيخة في الماء فغلطت فقال كذا فعلت يا جاهل أفغلط في الفعل وأخطأ في الاعتذار ومع هذه البلية كان متجولًا محظوظًا عند الخلفاء والملوك‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن محمد بن جعفر أبو القاسم القزويني الشافعي ولي قضاء دمشق نيابة عن محمد بن العباس الجمحي وكان محمود السيرة فقيها واختلط قبل موته‏.‏

وفيها توفي علي بن سليمان بن الفضل أبو الحسن البغدادي النحوي ويعرف بالأخفش الصغير كان متفننا يضاهي الأخفش الكبير في فضله وسعة علمه ومات ببغداد‏.‏

وفيها توفي محمد بن إسماعيل بن إبراهيم طبًاطبًا الحسني العلوي وإنما سمي جده طبًاطبًا لأن أمه كانت ترقصه وتقول‏:‏ طبًاطبًا يعني نام كان سيدا فاضلا جوادا يسكن مصر وكان له بها جاه ومنزلة وبها مات وقبره يزار بالقرافة وفيها توفي محمد بن المسيب بن إسحاق بن عبد الله النيسابوري ثم الارغياني ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين وطاف البلاد في طلب العلم وكان زاهدا عابدًا بكى حتى فقد بصره وكان يقول ما بقي من منابر الإسلام منبر إلا دخلته لسماع الحديث وكان يعرف بالكوسج‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة‏.‏

قال‏:‏ وفيها توفي أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين الرازي الحافظ بنيسابور وأبو القاسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني القاضي وعلي بن سليمان النحوي الأخفش الصغير وأبو جعفر محمد بن الحسين الخثعمي الاشناني وأبو الحسن محمد بن الفيض الغساني ومحمد بن المسيب الأرغياني‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وآثنتان وعشرون إصبعا مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعا وسبع عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة من ولاية تكين الرابعة وهي سنة ست عشرة وثلاثمائة فيها في المحرم دخل أبو طاهر القرمطي الرحبة بعد حروب ووضع فيها السيف فبعث إليه أهل قرقيسياء يطلبون الأمان فأمنهم وبعث سراياه في الأعراب فقتلوا ونهبوا وسبوا ثم دخل قرقيسياء ونادى لايظهر أحد من أهلها نهارا فلم يظهر أحد ثم توجه إلى الرقة فأخذها ولما رأى الوزير علي بن عيسى أن الهجري أعني القرمطي استولى على البلاد آستعفى من الوزارة ولما رجع القرمطي من سفره بنى دارا وسماها دار الهجرة ودعا إلى المهدي العلوي وتفاقم أمره وكثر أتباعه فعند ذلك ندب الخليفة المقتدر هارون بن غريب وبعثه إلى واسط وبعث صافيا إلى الكوفة فوقع هارون بجماعة من القرامطة فقتلهم وبعث بجماعة منهم أسارى على الجمال إلى بغداد ومعهم مائة وسبعون رأسًا‏.‏

وفيها وقع بين نازوك وهارون حرب في ذي القعدة وسببها أن سواس نازوك وهارون تغايروا على غلام أمرد وقتل من الفريقين جماعة فركب الوزير ابن مقلة برسالة الخليفة بالكف عن القتال فكفا‏.‏

وفيها سار ملك الروم الدمستق في ثلاثمائة ألف فقصد ناحية خلاط وبدليس فقتل وسبى ثم صالحه أهل خلاط على قطيعة وهي عشرة آلاف دينار وأخرج المنبر من جامعها وجعل مكانه الصليب فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفيها توفي بنان بن محمد بن حمدان أبو الحسن الزاهد المشهور المعروف بالحمال أصله من واسط ونشأ ببغداد وسمع الحديث ثم انتقل إلى مصر وسكنها إلى أن مات بها وهو أحد الأبدال كان صاحب مقامات وكرامات بزهده وعبادته يضرب المثل صحب الجنيد وغيره وهو أستاذ أبي الحسين النوري قال أبو عبد الرحمن السلمي في محن الصوفية إن بنانا الحمال قام إلى وزير خمارويه فأنزله عن دابته وكان نصرانيا وقال‏:‏ لا تركب الخيل ويلزمك ما هو مأخوذ عليكم في ملتكم فأمر خمارويه ببنان المذكور بأن يوخذ ويطرح بين يدي سبع فطرح وبقي ليلته ثم جاء السبع يلمسه فلما أصبحوا وجدوه قاعدا مستقبل القبلة والسبع بين يديه فأطلقه وآعتذر إليه وذكر إبراهيم بن عبد الرحمن أن القاضي‏.‏

أبا عبيد آحتال على بنان ثم ضربه سبع درر فقال‏:‏ حبك الله بكل درة سنة فحبسه أبن طولون سبع سنين ويروى أنه كان لرجل على رجل دين مائة دينار بوثيقة فطلبها الرجل أعني الوثيقة فلم يجدها فجاء إلى بنان ليدعو له فقال له بنان أنا رجل قد كبرت وأحب الحلواء اذهب إلى عند دار قريج فاشتر رطل حلواء وأتني به حتى أدعو لك ففعل الرجل وجاءة فقال بنان‏:‏ افتح ورقة الحلواء ففتحها فإذا هي الوثيقة فقال هذه وثيقتي فقال خذها وأطعم الحلواء صبيانك وكانت وفاته في شجر نصيبين وخرج في جنازته كثر أهل مصر‏.‏

وفيها توفى داود بن الهيثم بن إسحاق بن البهلول أبو سعد التنوخي مولده بالأنبار وبها توفي وله ثمان وثمانون سنة كان إماما عارفا بالنحو واللغة والأدب وصنف كتبا في اللغة والنحو على مذهب الكوفين وله كتاب كبير في خلق الإنسان‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن سليمان بن الأشعث الحافظ أبو بكر ابن الحافظ‏.‏

أبي داود السجستاني محدث العراق وابن محدثها ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين ورحل به أبوه وطوف به البلاد شرقا وغربا وآستوطن بغداد وصنف السنن والمسند والتفاسير والقراءات والناسخ والمنسوخ وغير ذلك قال أبو بكر الخطيب سمعت الحسن بن محمد الخلال يقول كان أبو بكر بن أبي داود أحفظ من أبيه قلت‏:‏ وأبوه أبو داود هو صاحب السنن أحد الكتب الستة وقد وقع لنا سماعه ثلاثا حسبما ذكرناه في ترجمة أبيه رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد أبو عوانة الاسفرايني النيسابور في الحافظ المحدث كان إماما طاف البلاد وصنف المسند الصحيح المخرج على صحيح مسلم حج عدة حجات وكان زاهدًا عابدًا رضي الله عنه‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال وفيها توفي بنان الحمال أبو الحسن الزاهد و أبو بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني وله ست وثمانون سنة وأبو بكر محمد بن حريم العقيلي وأبو بكر محمد بن السري بن السراج صاحب المبرد ومحمد بن عقيل البلخي وأبو عوانة يعقوب بن أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وثلاث عشرة إصبعًا مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا سواء‏.‏